المال والبيتكوين

مع تطور المجتمع البشري، بدأت العلاقات السلعية الأولى تظهر وتتطور تدريجيا بين الأفراد، ولكن منذ البدايات الأولى للتطور البشري وحتى العصر الحجري الأول شهد الاقتصاد فترة اكتفاء ذاتي، حيث يحصل الأفراد على جميع السلع والخدمات الضرورية من خلال عملهم أو أنشطتهم.

وقبل أن يتم إنشاء النقود بالشكل الحالي الذي نعرفه اليوم، كان يتم استخدام عدد من المعادن او الأشياء الثمينة لعملية التبادل التجاري.

فقد استخدم شعب الجونكوين، السكان الأصليين في كندا، الصدف وصتعوا منه الخرز والحلي.

مع وصول التجار الأوروبيين كان عملية الشراء والبيع تتم باستخدام الحلي كنقود. وكانت الحلي طريقة دفع جيدة، نظرا لكونها كانت نادرة لصعوبة تصنيعها او الحصول عليها.

وكان من الممكن ان يشكل الصدف ثروة للجونكوين، لكن وجوده في المحيط وعلى الشواطئ كان نادرا. ولذا، فإن كل قطعة من الصدف كان يتم تصنيع منها قطعة خرز او حلي يدويا وكانت تستهلك الكثير من الوقت وتحتاج لمهارة فائقة.

لكن ما لبثت أن تغيرت هذه الحال مع زيادة السلع التي يحتاجها الإنسان وتنوع الأنشطة التي يمارسها لإنتاجها، فأصبح من الصعب على الشخص أن يقوم بإنتاج كل ما يحتاجه من السلع بنفسه، وظهرت عملية التخصص في الأنشطة التجارية، فولدت مع هذه الفترة بين الأنشطة التجارية المختلفة ما يسمى بالمقايضة.

نظام المقايضة

ومع زيادة الحاجيات لدى الإنسان بدأ نوع جديد من العلاقات الاقتصادية في الظهور، وكان لا بدَّ له من استخدام المقايضة إذا احتاج إلى بعض السلع التي لا يمكنه إنتاجها بشكل مستقل. وكان هذا التغيير بمثابة قفزة اقتصادية كبيرة إلى الأمام وأدى إلى تسريع التنمية البشري.

فكان يتم استبدال فرو الهانو بالأسهم المستخدمة في الصيد. وكان المال يعد صعبا وقيما، وهو ما كان يعتقده الأوروبيين حتى تغيرت الأمور وتطورت.

ومع وصول الأدوات المناسبة للصنع، بات صنع الحلي أسهل وأسرع. واستخدم الأوروبيين أشياء شبيهة بالصدف مثل الحجارة والزجاج. وسرعان ما فقدت الحلي وأردية الهانو قيمتها كمادة للتبادل التجاري مع الأوروبيين.

بعدها تحولت الأنظار إلى الذهب لأنه كان قيما وصعب التصنيع وثقيلا. وبدأت الحكومة باستبدال الذهب مقابل الماشية. وكانت تتم المقايضة بين الحكومة والمجتمع.

بعدها بدأت الأموال في الظهور مع سك العملات من الذهب والفضة وغيرها من المعادن، وبدأت منشآت التابعة للأفراد مثل المطاعم وغيرها في الانتشار.

ومع تطور المجتمعات، بدأت النقود تتخذ شكلا جديدا، شكلا ورقيا سهل الحمل وخفيف الوزن.

البيتكوين

وبدل أن تقوم الحكومة بطباعة الكمية ذاتها من فئة المال، بدأت بطباعة فئة جديدة من النقود. ومع تطور التكنولوجيا، ظهرت العملات الافتراضية والرقمية.

وكانت البيتكوين أشهرها، سهلة الاقتناء وهي كالذهب. المال الرقمي سهل التحويل بين الأفراد ولا حاجة لتدخل الحكومة أو البنوك. لكنه في الوقت ذاته ايضا مال صعب الحصول عليه. فالبيتكوين الواحدة تحتاج لحل معادلة رياضية تستغرق وقتا وجهدا طويلا والكثير من الطاقة.

وقد يسأل أحدهم: هل يمكن نسخ ولصق المعادلة لإنتاج بيتكوين جديدة؟ الجواب هو لا، حيث يعتمد الأمر على التسجيل العام لكل عملة، وتدعى هذه العملية بالبناء على البلوكتشين.

البلوكتشين عبارة عن لعبة أحجية وكل بيتكوين لديها شكل محدد. ولأن كل بيتكوين لها شكلها الخاص من الشكل العام، فلذلك في حال قام أحد ما بنسخ قطعة بيتكوين ستعتبر تلك القطعة مزيفة. فهي لن تتناسب مع أي لوحة أحجية وسيتم رفضها من قبل شبكة الانترنت العامة قبل أن يتم استخدامها من قبل أي شخص. ولذا تعتبر البيتكوين مناسبة للطرفين: الحكومات والمجرمين.

وعلى عكس الدولارات التي يمكن طباعتها بشكل غير محدود، فإن هناك 21 مليون عملة بيتكوين فقط والسبيل الوحيد لتحصل عليها هو جمعها أو شراؤها من شخص ما يملكها.

لكن إذا كان بإمكاننا الحصول على البيتكوين ألن يكون بإمكاننا إدارتها بالطريقة التي تدير بها الحكومة المال؟ الجواب هو لا، لا يمكن إدارة البيتكوين من قبل شخص واحد لان ادارتها تتم من قبل شبكة النت العامة.

ولذا إن أراد أحد ما تغيير شيء في كود البيتكوين فعليه الحصول على موافقة الأغلبية من الملايين حاملي البيتكوين وهو أمر صعب حيث تتم مبادلة وتحويل البيتكوين بشكل سهل ورخيص عبر أرجاء العالم دون أي وسيط بنكي أو تدخل حكومي.

ولأن البيتكوين صعب الحصول عليها ولا يمكنك طباعة المزيد منها لجعل العديد من الأشخاص يستخدمونها.فهذا ما يعطيها القيمة.

يمكن للبيتكوين أن تجعلك ثريا، ولكن لا يوجد هناك سوى 1% من سكان العالم الذين يمتلكون البيتكوين. رغم ذلك يزداد تبنيها يوما بعد يوم . في بعض الأحيان تصعد بقوة واحيانا تهبط بشدة.

لا تنسى أن المال الجيد هو المال سهل الاقتناء وصعب التصنيع. والبيتكوين رقمية سهلة الاقتناء والاستخدام لكن صنعها من قبل البلوكتشين يجعل من عملية تضخمها أمر صعب.