حلال أم حرام

حكم الغرر والمقامرة في البيتكوين وفقاً للفقه الإسلامي

يشهد عالم العملات الرقمية اهتمامًا متزايدًا من المستثمرين والمتداولين حول العالم، ومن بين هذه العملات تحتل البيتكوين مكانة الريادة كأول عملة رقمية لامركزية.

ورغم نجاحها في كسر احتكار المؤسسات المالية التقليدية وتوفير حرية مالية أكبر، إلا أنها أثارت جدلًا واسعًا في العالم الإسلامي، خصوصًا فيما يتعلق بجوانب الغرر (المخاطرة المجهولة) والمقامرة (الميسر) في تعاملاتها.

الغرر في الفقه الإسلامي

الغرر لغةً هو الخطر وعدم اليقين، واصطلاحًا هو“ما كان عاقبته مجهولة أو تضمن مخاطرة فاحشة في المعاملات”.

وقد نهى النبي ﷺ عن بيع الغرر لما فيه من ظلم واستغلال، مثل بيع السمك في الماء أو الطير في الهواء.

الفقهاء يميزون بين الغرر اليسير (المعفو عنه) والغرر الفاحش (المُبطل للعقود).

الغرر الفاحش في البيتكوين

  • التقلبات السعرية الشديدة: سعر البيتكوين قد يرتفع أو ينهار في ساعات قليلة، ما يجعله استثمارًا عالي المخاطر.
  • غياب ضمان القيمة: لا جهة تضمن قيمته أو تتدخل لتثبيت سعره، مما يزيد حالة عدم اليقين.
  • جهالة مستقبل الأصل: لا يُعرف إن كان البيتكوين سيستمر كعملة أم يفقد قيمته تمامًا.

هذه العوامل دفعت بعض الفقهاء إلى اعتبار التعامل به – خاصة المضاربة – غررًا فاحشًا يفسد العقد.

الميسر (القمار) في الشريعة

الميسر هو كل معاملة تعتمد على الاحتمال والحظ بحيث يكون أحد الأطراف فيها رابحًا والآخر خاسرًا دون وجود منفعة حقيقية متبادلة.

قال الله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 90].

شبهات المقامرة في البيتكوين

المقامرة

  • المضاربة العشوائية: غالبية المشاركين يسعون لتحقيق أرباح سريعة من تقلب الأسعار دون إنتاج حقيقي، مما يشبه القمار في نتائجه.
  • الترويج للوهم: كثير من المشاريع المرتبطة بالعملات الرقمية (مثل بعض الـ ICOs) وُجدت للاحتيال، مما يجعلها أقرب للمقامرة منها للاستثمار.
  • مراهنة على تقلب الأسعار: دخول السوق بقصد شراء بسعر منخفض وبيع بسعر مرتفع خلال فترات قصيرة أقرب للمقامرة من الاستثمار طويل الأجل.

موقف العلماء والمؤسسات الشرعية

  • دار الإفتاء المصرية: اعتبرت التعامل بالعملات الرقمية ومنها البيتكوين مقامرة واستغلالًا بسبب الغرر الفاحش والمخاطر العالية.
  • هيئة كبار العلماء في السعودية: صرحت بأن المضاربة في العملات الرقمية “تشبه القمار” لما فيها من مخاطرة غير مبررة وأكل أموال الناس بالباطل.
  • الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: أشار في قراره (2022) إلى أن العملات الرقمية لا تحقق مقاصد الشريعة في المال، وأوصى بالابتعاد عنها حتى تنظم وتصبح آمنة.

حكم تحريم البيتكوين

لا يعني الحكم الفقهي الرافض للمضاربة الحالية تحريم التكنولوجيا نفسها (البلوكشين أو العملات الرقمية كفكرة)، بل يتعلق بأسلوب استخدامها الحالي.

اقرأ أيضاً: ما هو حكم التعامل بعقود الفروقات CFD؟

فإن تمت إزالة الغرر والمقامرة عبر:

  • تنظيم حكومي يضمن الشفافية.
  • تقليل التقلبات السعرية بدعم الأصول الحقيقية.
  • ضبط الأسواق ومنع الاحتيال والمضاربات العشوائية.

فقد يختلف الحكم ليصبح التعامل مشروعًا ضمن ضوابط محددة.

البيتكوين يمثل ابتكارًا ماليًا مهمًا، لكنه في صورته الحالية محفوف بمخاطر الغرر والمقامرة التي جعلت معظم الفتاوى الشرعية تحرم تداوله كمضاربة.

ومع ذلك، يظل الباب مفتوحًا لتطوير بيئة مالية رقمية متوافقة مع مقاصد الشريعة إذا تم تجاوز هذه الإشكالات، ليكون الابتكار المالي خادمًا للمجتمع لا مصدرًا للمقامرة والمخاطرة المحرمة.

[adsforwp id="60211"]
[adsforwp id="60211"]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى