تكنولوجيامقالات قد تهمك

بين التحديات والمخاوف.. الذكاء الاصطناعي يتنبأ بالوفاة المفاجئة

منذ أن وطأت قدما الإنسان الأرض، كان يسعى باستمرار لإيجاد إجابات مقنعة لأسئلته حول مسببات الأمراض وكيفية النجاة منها.

لهذا الغرض، استخدم البشر مختلف أنواع الأعشاب واعتمدوا على تمائم الكهنة وطلاسم العرافين كحصن يحميهم من تحديات الحياة.

وما زالت فكرة البحث عن أفضل العلاجات تشغل عقول العلماء حتى اليوم.

على الرغم من توافر أحدث أساليب التشخيص الطبي والكوادر الطبية الماهرة والمستشفيات المتطورة التي يمتلكها البشر، إلا أن تقدم الذكاء الاصطناعي في مجال تطوير النظام الصحي خلال السنوات الأخيرة لا يمكن مقارنته بما سبقه.

فالذكاء الاصطناعي يمتلك إمكانيات هائلة ساهمت في تحسين الرعاية الصحية وتقليل التكاليف، وضمان وجود مستقبل صحي مستدام وواعد.

مصدر القوة

يتردد المصطلح “الذكاء الاصطناعي” بشكل يومي، ولنبسط هذا المفهوم، يمكننا أن نقول إنه يهدف إلى جعل الحواسيب تتصرف بذكاء يقترب من ذكاء البشر.

وتكمن القوة الحالية للذكاء الاصطناعي في قدرته على استفادة من مجموعة كبيرة من البيانات والتعرف على الأنماط التي يمكن استخدامها لتشخيص الحالات المرضية. وبالإضافة إلى ذلك، يتمتع بقدرة فائقة على التعامل مع هذه البيانات وتقديم حلول بسرعة هائلة.

في الوقت الحاضر، يتم استثمار مبالغ ضخمة في البحث في مجال الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل الطب وعلم الأحياء البشري والرعاية الصحية.

فمختلف فروع الذكاء الاصطناعي، مثل التعلم الآلي والتعلم العميق والشبكات العصبية، تجد تطبيقها المتزايد في إنشاء أنظمة معالجة البيانات وتشخيص الأمراض بشكل آلي، وتطوير أدوية جديدة استنادًا إلى النمذجة، وتطوير أنظمة لتحليل مؤشرات حيوية متنوعة.

وقد جعلت قدرة خوارزميات الذكاء الاصطناعي العالية في التعامل مع البيانات والتنبؤ بالأمراض وايجاد العلاجات المناسبة، منها مصدرًا رئيسيًا ومرجعًا هامًا للباحثين.

فالتنبؤ الناجح بأمراض خطيرة مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية يمكن أن يعزز بشكل كبير فرص البقاء على قيد الحياة للأشخاص وزيادة فرص الشفاء.

التنبؤ بالوفاة المفاجئة

تُعَدُّ السكتة القلبية المفاجئة (SCA) مشكلة صحية هامة عالمياً، حيث تؤدي إلى وفاة 90% من الأشخاص المصابين بها. فقط في الولايات المتحدة، يتوفى حوالي 360 ألف شخص سنوياً بسبب هذه الحالة.

وتشير الدراسات الحديثة إلى أن أكثر من نصف المرضى يعانون من أعراض تحذيرية قبل ساعات أو أيام من حدوث السكتة القلبية.

ومع ذلك، يحدث عدد كبير من الوفيات نتيجة لإهمال المرضى وتفسير غير صحيح للعلامات من قِبَل الكوادر الطبية.

الموت المفاجئ

يقول الدكتور كزافييه جوفين، أستاذ أمراض القلب وعلم الأوبئة في مركز باريس لأبحاث القلب والأوعية الدموية بجامعة باريس: “تُمثِّل الوفاة القلبية المفاجئة – والتي تُعَدُّ عبئاً على الصحة العامة – ما بين 10 و20% من إجمالي الوفيات، ويعد تنبؤها أمراً صعباً، حيث تفشل الأساليب التقليدية في تحديد الأشخاص الذين يواجهون خطراً شديداً، وخاصةً على المستوى الفردي”.

لكن في الآونة الأخيرة، وبحسب البحث العلمي الدولي المشترك الذي أجراه خبراء من مجالات متعددة، تشير النتائج الأولية إلى إمكانية أن يتنبأ الذكاء الاصطناعي بحدوث السكتة القلبية المفاجئة قبل حدوثها.

وهذا يساهم في تسريع تقديم الإسعافات الضرورية وإزالة الخطر المحتمل، وفقًا للنتائج المقدمة في ندوة علوم الإنعاش التي نظمتها جمعية القلب الأميركية عام 2023.

واستخدم الباحثون في هذه الدراسة الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الطبية لـ 25 ألف شخص توفوا فجأة، و70 ألف شخص دخلوا المستشفى بسبب سكتة قلبية ولكن لم يتوفوا في باريس وفرنسا وسياتل بواشنطن.

وبناءً على ذلك، قاموا بتطوير خوارزميات ومعادلات تأخذ في الاعتبار التفاصيل الطبية للأفراد، مثل علاج ارتفاع ضغط الدم وتاريخ أمراض القلب، بالإضافة إلى الاضطرابات العقلية والسلوكية بما في ذلك تعاطي الكحول.

ومن أجل زيادة حجم الدراسة، قام الباحثون بتضمين بيانات أكثر من مليون شخص تم تدوينهم في المستشفيات، بالإضافة إلى 10 ملايين وصفة طبية من عيادات الأطباء لفترة تصل إلى 10 سنوات.

بعد تجربة الخوارزميات الجديدة على البيانات المتاحة، تمكنت من التنبؤ بوفاة الأشخاص قبل حدوثها بثلاثة أشهر، وبدقة تجاوزت 90٪.

يعني ذلك أن التحليلات التي تقوم بها الخوارزميات على بيانات المرضى قادرة على تحديد فترة الخطر المحتملة للمرضى، مما يتيح للأطباء التدخل في وقت مبكر.

وفي هذا السياق، صرح أستاذ الطب في جامعة باريس، الدكتور كزافييه جوفين، بأنهم عملوا لمدة تقارب 30 عامًا في مجال التنبؤ بالوفاة القلبية المفاجئة، ولكنهم لم يتوقعوا الوصول إلى هذا المستوى المتقدم من الدقة.

وأشار جوفين إلى أنه تم اكتشاف أن عوامل الخطر تختلف من شخص لآخر، وتشمل العوامل العصبية والنفسية والتمثيل الغذائي وحالة القلب والأوعية الدموية.

وهذه تعتبر تفاصيل صعبة على الأطباء تحليلها وتوصلها بعلاقتها ببعضها البعض والتنبؤ بالمستقبل.

تم إجراء دراسة في تايوان حيث استخدمت تقنية الذكاء الاصطناعي لتحليل مخططات القلب، وأظهرت الدراسة أن هذه التقنية تساهم في تقليل الوقت المستغرق لتشخيص ونقل المرضى الذين يعانون من أزمات قلبية إلى مراكز قسطرة القلب لتلقي العلاج.

خلال حدوث أزمة قلبية، يتم انسداد الشريان التاجي مما يؤدي إلى توقف تدفق الدم والأكسجين إلى القلب، وهذا قد يسبب تلفًا لعضلة القلب. وبالتالي، يعد التشخيص السريع والعلاج الفوري أمرًا حاسمًا لاستعادة تدفق الدم وتقليل أضرار عضلة القلب وزيادة فرص الشفاء بعد النوبة القلبية.

تمحورت هذه الدراسة حول استخدام التقنية الذكاء الاصطناعي مع تحليل مخططات القلب لمساعدة الخبراء الطبيين في تشخيص حالات احتشاء العضلة القلبية القصيرة (STEMIs) وتسهيل نقل المرضى إلى مختبر قسطرة القلب بشكل أسرع، وقد بلغت دقة هذه الخوارزميات 88٪.

وتستخدم التقنية الذكاء الاصطناعي أيضًا في تطبيقات أخرى، حيث أجرت دراسة في مايو كلينك باستخدام أداة فحص جديدة لتحديد المصابين بمشكلة قلبية معينة لا تظهر عليهم أعراض وتعرف باسم “خلل البطين الأيسر”. أظهرت الأداة المدعومة بالذكاء الاصطناعي قدرتها على اكتشاف هذه الحالة بنسبة 93٪.

وقد قامت مايو كلينك أيضًا بتطوير تطبيقات تدمج هذه الخوارزميات في ساعات آبل لاكتشاف ضعف قوة ضخ القلب أو ما يعرف بـ “انخفاض الكسر القذفي البطيني”.

التحديات والمخاوف

على الرغم من كل ما تم ذكره، يعتبر الذكاء الاصطناعي مثل أي علم جديد، حيث ينقسم الآراء بين المؤيدين والمتحمسين لتطبيقه في كل شيء، وبين الذين يعبرون عن مخاوفهم وتحذيراتهم.

وتعتبر واحدة من المخاوف المثارة هي مسألة المسؤولية القانونية، حيث من المسؤول عن الأخطاء الطبية التي يمكن أن تحدث باستخدام التقنيات الذكاء الاصطناعي؟

بمعنى آخر، حيث أن الخوارزميات وأنظمة الحوسبة ليست أشخاصًا قانونيين، هل ينبغي على المرضى مقاضاة المالك أو المبرمج أو الشركة المصنعة أو أي شخص آخر؟ وهل يمكن أن يتحمل الذكاء الاصطناعي المسؤولية الجنائية؟

تلك التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي ليست محصورة في مجال الرعاية الصحية فقط، فقد حدثت بالفعل بعض حوادث السيارات ذاتية القيادة التي أسفرت عن حوادث ووفيات، ولا يوجد لها حلا قانونيًا حتى الآن.

وأظهرت دراسة حديثة أن الذكاء الاصطناعي قد يتعلم التحيز العنصري أو التحيز الجنسي، استنادًا إلى الكلمات الموجودة في البيانات التي تم تعلمها منها، وهذا قد يؤدي إلى ظهور نتائج خاطئة تظهر التحيز العرقي أو الديني أو الجنسي، إذا كانت تلك الخوارزميات قد تم برمجتها وبناؤها بشكل غير متوازن أو متحيز تجاه فئة أو عرق معين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى