أخبار العملات الرقمية

لماذا تحولت “أنظمة النقاط” (Points Systems) من وسيلة ولاء إلى فخ لاستنزاف سيولة المستخدمين؟

لطالما كانت أنظمة النقاط (Points Systems) أداة تقليدية للولاء. ففي عالم (Web2)، كانت النقطة تمثل قيمة واضحة يمكن استبدالها بمنتج أو خدمة.

أما في عالم العملات المشفرة (Web3)، فقد تحولت هذه الأداة البسيطة إلى “أداة مالية شبحية” معقدة وغامضة، تخدم مصالح المشاريع في المقام الأول، على حساب المستثمر الذي تحول إلى “مزارع” (Farmer) مُنهك.

في سياق ظاهرة (Airdrop Farming) الحالية، أصبحت النقاط وسيلة للمشاريع للحصول على ثلاثة أشياء ثمينة: السيولة، والنشاط، والضجيج، كل ذلك دون الحاجة لتحمل مسؤولية تخفيف قيمة عملتها (Dilution) أو مواجهة التدقيق التنظيمي (Regulatory Scrutiny) الناتج عن إصدار عملات مباشرة. النقاط اليوم هي فخ لاحتجاز رأس المال، حيث يُطلب من المستخدمين التزام مالي كبير مقابل “وعد غامض” بقيمة مستقبلية.

التحول من “القيمة المباشرة” إلى “الوعد الغامض”

الفرق الجوهري بين النقاط التقليدية ونقاط الـ Web3 يكمن في قابلية الاستبدال (Fungibility) و الشفافية (Transparency):

  • نقاط Web2 (تقليدية): تساوي غالباً قيمة نقدية محددة (مثل 1000 نقطة تساوي 10 دولارات خصماً). هي قابلة للاستبدال ومملوكة للمستخدم.
  • نقاط Web3 (الجيل الجديد): هي أصول شبحية (Phantom Assets). لا يمكن تداولها، ولا يمكن معرفة القيمة النهائية للعملة التي ستمثلها (Token Valuation)، ولا يوجد ضمان لنسبة تحويلها. هي مجرد “صكوك وعد” (Promissory Notes) تتحكم في شروطها الجهة المصدرة بالكامل.

هذا التحول نقل المخاطر بالكامل إلى المزارع (المستخدم)، الذي يضطر لتجميد سيولته لـ “جهد مُعتم” (Opaque Effort)، حيث لا يعرف ما إذا كان العائد النهائي سيغطي حتى تكلفة الفرصة البديلة لاستثماره.

تتخذ النقاط في مشاريع الكريبتو شكل “أصول شبحية” غير قابلة للتداول أو الاستبدال الفوري، مما يحولها من نظام مكافأة ولاء شفاف إلى “وعد غامض” يضع كامل مخاطر التقييم وعدم اليقين على عاتق المستخدم الملتزم بالسيولة.

هندسة “الاستنزاف الفعال للسيولة” (The Engineering of Liquidity Drain)

تم تصميم أنظمة النقاط الحديثة بدقة لتحقيق هدفين رئيسيين للمشاريع:

1. زيادة القيمة الإجمالية المقفلة (TVL) بكفاءة

تطلب غالبية مشاريع النقاط من المستخدمين إيداع أو رهن عملات ذات قيمة عالية (مثل $ETH أو العملات المستقرة) ولفترات طويلة. هذا يرفع مقياس TVL للبروتوكول إلى مستويات تبدو صحية وتنافسية، دون أن يضطر البروتوكول لتخفيف سيولته عبر إصدار عملات جديدة.

2. خلق حلقات التغذية الراجعة المعقدة

تشجع المشاريع المستخدمين على تكديس المخاطر، مثل استراتيجية “إعادة الرهن المتسلسل” (Layered Restaking)، حيث يتم رهن ETH في بروتوكول للحصول على LRT، ثم إيداع هذا LRT في بروتوكول نقاط آخر. هذا يخلق سيولة “لزجة” وعميقة للمشاريع، ولكنها تزيد من التعرض للمخاطر المنهجية للمستخدمين.

النقاط هنا هي مجرد حافز غير مُكلف لحبس رأس مال المستخدمين واستخدامه لبناء قيمة المشروع قبل أن يراهن الفريق بأي شيء.

 تُستخدم أنظمة النقاط كآلية فعالة لجمع السيولة ورفع مقياس TVL للمشاريع، حيث تشجع المستخدمين على رهن الأصول القيمة لفترات طويلة أو الانخراط في استراتيجيات معقدة ومتعددة الطبقات (مثل إعادة الرهن)، مما يضمن للمشروع سيولة ثابتة دون تحمل تكلفة التخفيف.

إرهاق المستخدم (User Fatigue) وفشل عامل التحفيز

أدى انتشار هذه الظاهرة إلى تغيير سلوك المستخدمين، ولكن بطريقة سلبية:

  • تشتت الجهد: تحول المزارع من التركيز على مشروعين أو ثلاثة إلى محاولة “زراعة” 10-20 مشروعاً في وقت واحد، في محاولة للحصول على حصة من كل توزيع مستقبلي محتمل. هذا يخلق ضغطاً ذهنياً ومالياً كبيراً.
  • عائد الاستثمار المتناقص (Diminishing Returns): مع دخول المزيد والمزيد من السيولة والمستخدمين إلى حلبة النقاط، تنخفض الحصة المتوقعة من العائد لكل مستثمر بشكل حاد. قد يجد المستخدم أن الجهد والتكاليف المرتبطة برسوم الغاز لا تساوي قيمة الحصة النهائية.
  • التركيز على القيمة بدلاً من التقنية: تحول سلوك المزارعين من تقييم جدوى المشروع إلى تقييم “كفاءة النقطة” (Effort per Point)، مما يفقد النظام البيئي قدرته على التمييز بين المشاريع الجادة والمشاريع المضاربة.

أدى التنافس الشديد وغياب الشفافية في تقييم النقاط إلى “إرهاق المستخدم” (User Fatigue)، حيث يضطر المزارعون لإدارة محافظ متضخمة من النقاط ذات العائد المتناقص، مما يشتت الجهد ويحول التركيز عن التقييم التقني للمشروع إلى مجرد معادلة رياضية لمجهود النقاط.

التقييم العائم والتلاعب بالقيمة (Valuation Manipulation)

تمكن النقاط المشاريع من التحكم في سرد القيمة (Value Narrative) دون الخضوع لآليات السوق التقليدية:

  • تضخيم القيمة المستقبلية: يستخدم المشروع مقياس “إجمالي النقاط الموزعة” (Total Points Distributed) لتسويق فكرة أن هناك طلباً هائلاً على العملة قبل إطلاقها، مما يمهد الطريق لتقييم مرتفع للعملة عند الإدراج.
  • تمكين الحيتان (Whales): غالباً ما يتم تصميم آليات النقاط لتفضيل المستخدمين الذين لديهم كميات هائلة من السيولة لرهنها. هذا يضمن أن الحيتان يمكنها تجميع النقاط بأقل جهد، مما يضمن لهم سيطرة غير متناسبة على التوزيع النهائي للعملة، ويجعل حصة المستثمر بالتجزئة ضئيلة.

لذلك، يجب على السوق أن يطالب بالشفافية في معادلة التحويل (Points-to-Token Ratio) قبل التزام المستخدم بالسيولة، وإلا ستظل النقاط مجرد أداة لتبرير تقييمات مليارية لأصول لم تُطلق بعد.

الأسئلة الشائعة (FAQ)

1. لماذا تستخدم المشاريع النقاط بدلاً من مجرد إعطاء عملات مباشرة؟

تستخدم النقاط لتفادي سببين رئيسيين: أولاً: لتجنب التخفيف المفرط (Dilution) لقيمة العملة قبل الإطلاق الرسمي؛ ثانياً: لتفادي التدقيق التنظيمي المحتمل، حيث يصعب على الهيئات التنظيمية تصنيف “النقطة” كـ “ورقة مالية” (Security) قبل أن تتحول إلى عملة قابلة للتداول.

2. هل يمكن تحويل النقاط إلى عملات قابلة للتداول قبل الإطلاق الرسمي؟

لا يمكن ذلك رسمياً. النقاط لا يمكن تداولها بشكل عام. ولكن ظهرت أسواق “مشتقات” (Derivatives Markets) غير رسمية يتم فيها تداول “الوعد” بالحصول على النقاط المستقبلية (Pre-Market Points) عبر منصات تداول خارج البورصة (OTC)، وهي أسواق عالية المخاطر.

3. ما هي الطريقة التي يمكن للمستثمر بها حماية نفسه من فخ النقاط؟

يجب على المستثمر:

  • عدم التزام سيولة لا يمكنه تحمل خسارتها بالكامل.
  • حساب تكلفة الفرصة البديلة (Opportunity Cost) لتجميد السيولة في مشروع نقاط بدلاً من استثمارها بعائد مؤكد (مثل Staking على L1).
  • التركيز فقط على المشاريع التي لديها بالفعل منتج عامل واضح وجاذبية تقنية وليست مجرد “وعد بالبنية التحتية”.

[adsforwp id="60211"]
[adsforwp id="60211"]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى