حاملو العملات المشفرة: أهداف متحركة في زمن الجريمة

شهدت السنوات الأخيرة انتشارا واسعا لسوق العملات المشفرة، الأمر الذي أفضى إلى إحداث تحولات جذرية في أنظمة التمويل والتنمية الاقتصادية، وهو ما أدى في الوقت ذاته إلى تفاقم التحديات الأمنية المرتبطة باستخدام واستثمار الأصول الرقمية.
ومع تزايد اعتماد العملات المشفرة وانتشارها على الصعيد الأوروبي، يبرز جانب مظلم يتمثل في تزايد حالات الاعتداءات والجرائم المتعلقة بحاملي الأصول الرقمية. ولا تقتصر هذه الظاهرة على فرنسا فحسب، بل إنها تمثل تحديا أمنيا يهدد الاستقرار والثقة في فضاء العملات المشفرة بشكل أوسع.
حالات الاختطاف والاعتداءات على حاملي العملات المشفرة
وقد شهدت فرنسا مؤخرا سلسلة من الحوادث الأمنية التي تستهدف مستخدمي العملات المشفرة، أبرزها واقعة قرب باريس في ضاحية ميزون ألفورت، حيث تعرض رجل يبلغ من العمر 23 عاما للاختطاف واحتُجز لعدة ساعات. وطلب المهاجمون مبالغ مالية قدرها 5 آلاف يورو، وهددوا بالاستيلاء على محفظته الرقمية Ledger، مستخدمين وسائل عنف جسدي لاستغلال الضحية واستخراج معلومات حساسة مرتبطة بممتلكاته الرقمية.
وعلى الرغم من تحريره لاحقا، إلا أن هذا الحادث يعكس نمطا من الاعتداءات المباشرة والموجهة، والتي تتكرر بشكل متزايد، مع استمرار استهداف حاملي العملات المشفرة بشكل مباشر، خاصة في المناطق ذات الوجود الاقتصادي النشط.
وفي سياق مواز، تمكنت الأجهزة الأمنية في إقليم نورماندي من إحباط خطة اختطاف كانت قيد التنفيذ، بعد أن تلقت بلاغا من تاجر عملات رقمية يبلغ من العمر 22 عاما ووالدته، حيث نجحت السلطات في اعتقال خمسة مشتبه بهم قبل تمكن المجرمين من تنفيذ العملية.
الحادثة الأكثر صدمة: اختطاف مؤسس شركة ليدجر
وفي حادثة أكثر درامية، تعرض ديفيد بالاند، الشريك المؤسس لشركة ليدجر لصناعة الأجهزة الرقمية، للاختطاف من منزله في وسط فرنسا، حيث أصيبت زوجته بجروح خطيرة، بما في ذلك إصابة في يده. وتمكنت السلطات من تحريره في اليوم التالي، وسط إجراءات أمنية مشددة، وأنهت بذلك واحدة من أكثر الحالات إثارة للقلق في الأوساط الأمنية والتشريعية.

تنامي وتيرة “هجمات المفتاح” وتأثيرها على الأمن العام
وتعبر ظاهرة “هجمات المفتاح” عن نوعية من الاعتداءات الجسدية والمادية التي تستهدف حاملي العملات المشفرة، وتزايدت وتيرتها بشكل ملحوظ على مستوى فرنسا وخارجها. حيث تصف بعض الدراسات هذه الاعتداءات بأنها جزء من نمط واسع من الجرائم المنظمة التي تتخذ من استغلال ضعف الأمان الرقمي وسهولة هدف الأصول الرقمية وسيلة لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
ففي إطار الإحصاءات الرسمية الصادرة عن هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي BBC، أشارت البيانات إلى أن الحادثة التي وقعت في ميزون ألفورت تمثل العاشرة من نوعها على المستوى الفرنسي، حيث ألقت السلطات المختصة القبض على أكثر من 20 شخصا متهمين بالتورط في مؤامرات اختطاف واعتداءات ضد رواد الأعمال في القطاع الرقمي، بما يشمل محاولات اغتيال وملاحقة.
اقرأ أيضا: الاحتيال والجرائم الإلكترونية في عالم العملات الرقمية
ردود فعل السلطات وإجراءات الحماية
وفي ظل تصاعد هذه الاعتداءات، أعلن وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتيللو، عن خطة لتعزيز التدابير الأمنية وحماية المسؤولين في قطاع العملات المشفرة وعائلاتهم. ومع ذلك، فإن هذه الأفعال لم تخل من التحديات، إذ أن الحوادث ليست محصورة في فرنسا فقط، بل ظهرت حالات مماثلة في الولايات المتحدة، وأماكن أخرى على مستوى العالم، مثل الهند وهونغ كونغ وإسبانيا والفلبين.
التحدي المستقبلي: الحاجة إلى تنظيم أكثر فاعلية
وفي ضوء تزايد معدلات الجرائم المرتبطة بالعملات المشفرة، أصبح من الواضح أن تبني أطر تنظيمية وقواعد أمنية صارمة لم يعد خيارا، وإنما ضرورة حتمية لضمان سلامة الأصول الرقمية وتعزيز الثقة والاستقرار في بيئة العملات المشفرة. إذ أن غياب الإجراءات الوقائية الفعالة قد يؤدي إلى تراجع أمان هذا القطاع، وتهديد مستقبل التمويل اللامركزي كوسيلة اقتصاد فعالة وموثوقة.
البيانات الإحصائية المتعلقة بالجرائم المرتبطة بالعملات المشفرة
1- زيادة حوادث الاعتداءات في فرنسا
وفقا لتقرير صادر عن الشرطة الفرنسية ومنظمة يوروبول Europol لعام 2023، شهدت فرنسا زيادة بنسبة تقارب 35% في عدد حالات الاعتداءات والاعتقالات المرتبطة بالعملات المشفرة، مقارنة بالعام السابق، مع أكثر من 50 حالة موثقة كانت تستهدف حاملي العملات بشكل مباشر.
2- مؤشرات المنظمات الدولية
وفقا لتقرير صدر عن المنتدى المالي الدولي (IMF)، فإن 60% من جرائم الاحتيال والاعتداءات الرقمية المرتبطة بالعملات المشفرة وقعت في أوروبا، ولا سيما في فرنسا، حيث تم تسجيل زيادة ملحوظة في حالات سرقة المحافظ الرقمية وعمليات الاختطاف مقابل طلب فدية.
3- الاعتداءات على مؤسسي الشركات الرقمية
يفيد تقرير صدر عن شركة Chainalysis، الرائدة في تحليل بيانات العملات المشفرة، بأن 20% من حالات الاختطاف في 2022 كانت تستهدف شخصيات قيادية في قطاع العملات المشفرة، مع ارتفاع ملحوظ في الاعتداءات على مؤسسي الشركات والأفراد ذوي الثروات الكبيرة.
اقرأ أيضا: عاصفة غير متوقعة: كيف سيتغير مسار سوق العملات المشفرة في ظل نزاع عالمي محتمل؟
4- الجرائم عبر العالم
وفقا لتقرير Global Cybersecurity Outlook 2023، شهد العالم زيادة في الهجمات باستخدام أدوات سرقة المفاتيح الخاصة (Key Theft Attacks) بنسبة 40%، مع تركز الحالات في الولايات المتحدة، الهند، أوروبا، بما في ذلك فرنسا.
5- الاستجابة الأمنية والتشريعات
ذكرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في تقريرها لعام 2023 أن 30 دولة على الأقل بدأت في تطبيق أو تحديث الأطر التشريعية الخاصة بحماية الأصول الرقمية، لكن نسبة التغطية الأمنية لا تزال غير كافية، مع تزايد التهديدات.