مقدمة في عالم الكريبتو
كيف بدأت فكرة التعاملات النقدية الإلكترونية:
انطلقت فكرة هذه التعاملات من فكرة التشفير وفك الشفرة، وأيضاً تحليل الشفرة ولدت فكرة إنشاء العملات الرقمية Cryptocurrency أي العملة الافتراضية الرقمية التي تم تشفيرها للتعاملات الآمنة والسرية. حيث يتم إنشائها وتخزينها إلكترونياً دون وجود سلطة إشرافية أو بنك مركزي يتحكم فيها، ولا يوجد لها كيان فيزيائي ملموس مثل العملات الاعتيادية الأخرى أو ما يطلق عليه النقد الإلزامي الصادر عن البنوك المركزية مثل الريال السعودي SAR أو اليورو EUR أو الدولار الأمريكي USD.
فكرة التعامل الرقمية أو الإلكترونية البديلة للتعامل النقدي المعتاد بدأت في أواخر الثمانينيات تقريباً في هولندا في سلسلة محطات للتزويد بالوقود أو محطات البنزين على الطريق السريع كانت تحدث فيها سرقات كثيرة. وحاولت الإدارة إيجاد حل لهذه المشكلة، فقامت الإدارة بالاستعانة بمجموعة من المبرمجين والمطورين لربط النقود ببطاقات خاصة يستطيع من خلالها حامليها من السائقين الراغبين في التعامل مع هذه المحطات الحصول على الوقود منها دون الحاجة للتعامل بالنقود الورقية في تلك المحطات. وبذلك لا يوجد أو على الأقل ستقل بشكل كبير النقود من المحطات تقليلاً لحالات السرقة. تطورت بعدها فكرة ميلاد بطاقات النقود الذكية، والتي كانت تعكس فكرة النقود المحفوظة بشكل إلكتروني مشفر في البطاقة. في حين يكون في محطة الوقود جهاز لفك تلك الشفرة. وهو نقطة المبيعات أو ما يعرف اليوم بفكرة POS أو Point-of-sale.
وتعتبر هذه أول صورة للنقود الإلكترونية التي تطورت لتصل إلى ما وصلت عليه الآن.
بدايات فكرة العملات المشفرة أو الرقمية:
استكمالاً لفكرة التعاملات الإلكترونية وتقريباً في نفس الوقت أو قبله بقليل، كانت هناك فكرة تجول في رأس رجل أمريكي يدعى ديفيد شوم David Chaum فحواها يدور حول الخصوصية المالية ومحاولة محاكاة العملات المعدنية أو الورقية إلى نقود رمزية يكون لها نفس القدرة على التعامل في المدفوعات والانتقال من يد إلى يد بأمان وبخصوصية.
فقام بابتكار صيغة خوارزمية يمكن من خلالها تمرير الأموال بين المرسل والمتلقي بشكل خفي غير متتبع عبر عملة رمزية أسماها وقتها Chaum أسس بعدها Chaum DigiCash كبينة أساسية لتنفيذ تلك العملية والتي استمرت لسنوات إلى أن وقع في عدة أخطاء تسبب في إفلاس DigiCash وذلك في عام 1998 والتي على الرغم من ذلك كان قد وضع من خلالها أساساً قوياً لفكرة الصيغ الخوارزمية للمعاملات النقدية الرمزية أو العملات الرقمية.
واستكمالاً للفكرة ذاتها، برمجي أخر يدعى Wei Dai يبدأ في طرح فكرة نظام نقدي متكامل خفي غير متتبع يحقق به فكرة الخصوصية والأمان أطلق عليه اسم B-money حيث يتم التعامل من خلال أسماء مستعارة رمزية لتحليل العملات داخل شبكة غير رمزية، وقد قام بالفعل بعرض الورقة التقديمية Whitepaper لمشروعه إلا أن الفكرة لم تلق الترحيب والرواج المطلوب. فلم يقدر لها النجاح، والجدير بالذكر أن الورقة التقديمية التي عرضها ساتوشي ناكامورا لفكرة البيتكوين Bitcoin كانت تحتوي على بعض العناصر التي كانت مذكورة في الورقة التقديمية Whitepaper لمشروع B-money مما يعني أنها كانت البداية الحقيقية للسباق نحو تطور العملات الرقمية.
العملات الرقمية:
منذ أن تجاوز سعر البيتكوين حاجز 7000 دولار أمريكي، لم يعد أمام عالم التداول إلا أن يتابع عن كثب هذه العملة الرقمية، وبالرغم أن هذه العملة الرقمية تعد الأولى في العالم، إلا أنها لا تعتبر الوحيدة فهناك أكثر من 1000 نوع من العملات الرقمية المتاحة، فما هي العملات الرقمية وكيف يمكن للمتداولين الاستفادة منها؟
العملة الرقمية تعتبر أحد أشكال الأموال الموجودة بشكل رقمي وليس مادي ملموس على شبكة الإنترنت، والفرق الجوهري بينها وبين النقود الرقمية التي تستخدمها يومياً (البطاقات والتحويلات عبر الإنترنت المقومة بعملة بلدك) هو أن هذا النوع من العملات لا تكون صادرة عن أي بنك أو حكومة معينة.
يتم إنشاء البيتكوين وعدد كبير من العملات الرقمية الأخرى مثل لايتكوين والإيثيريوم، من خلال عملية تسمى “التعدين”, في حين يتم توفير عملات رقمية أخرى مثل الريبل والنيو، والتي تضخ مباشرة في السوق، كما تعرف هذه العملات الرقمية أيضاً باسم تعدين العملات.
نشأة العملات الرقمية:
عندما أصبح الطريق ممهداً أمام إنشاء العملات الرقمية, ومع التطور التكنولوجي والمعلوماتي ولدت بروتوكولات التشفير المعقدة المبنية على مبادئ الرياضيات وهندسة الكمبيوتر المتقدمة التي تجعل من المستحيل نظرياً تقريباً كسرها والتي اعتمد عليها مبرمجي العملات الرقمية من خلال أنظمة تكويد معقدة للغاية تقوم بتشفير عمليات نقل البيانات لتأمين وحدات التبادل الخاصة بها, إضافة إلى قدرتها على إخفاء هوية المتعاملين فيها مما يجعل التعاملات والتحويلات وتدفقات الأموال مجهولة المصدر بما يحقق مبدأ الخصوصية الذي كان المسعى الرئيسي منذ البداية.
وبذلك يمكننا القول إن العملة الرقمية هي برنامج حاسوب SoftWare. لكنه برنامج لا مركزي، أي أنه لا يتم تنصيبه أو بناءه على جهاز واحد بعينه إنما هو موزع مما يعني أنه يتم استضافته على العديد من أجهزة الكمبيوتر للعديد من الأفراد في جميع أنحاء العالم بدلاً من الاستضافة على خادم server واحد من قبل فرد بعينه أو شركة محددة.
ويتم التحكم في عرض العملات الرقمية وقيمتها من خلال أنشطة مستخدميها من خلال أكواد بروتوكولات التشفير شديدة التعقيد. كل دالة وظيفية أو معاملة بداية من كيفية تسجيل المعاملات إلى كيفية تخزين البيانات تختزل في كود برمجي خاص عادةً ما يتم تخزينه في نوع من قواعد البيانات المعروفة باسم سلسلة الكتل _ بلوكتشين blockchain والتي تعتبر بمثابة سجل شامل موزع محمي ومخفي لكافة بيانات ومعاملات العملة الرقمية. ومن خلال معالجة تلك الخوارزميات بشكل عام يتم منح العملة الرقمية للمستخدم الذي يضيف معاملات إلى شبكة سلسلة الكتل أو بلوكتشين blockchain وتعرف عملية إضافة المعاملات إلى blockchain بعملية التعدين Mining.
بقي أن نعرف أن من أهم ما يميز معظم العملات الرقمية، وليس كلها، هي أن لها أعداد محدودة من الوحدات، أي أنه تم إنتاج معظم العملات الرقمية على فكرة أن لها سقف سوقي. أي أن عملية تشفير بروتوكولات الإنشاء من البداية خلقت عدد محدد من العملات ومع كل عملية فك تشفير أو تعدين بإضافة معاملة، يقلل عدد المخزون تدريجياً. وهذا شبيه بفكرة المعادن النفيسة، فمثلاً كلما تم استخراج كمية من الذهب قل الاحتياطي المخزون في باطن الأرض. فيصبح من الصعب على المعدنين Miners إنتاج وحدات العملة الرقمية، حتى يتم الوصول إلى الحد الأعلى ويتوقف سك العملة تماماً.
ولفهم هذا بشكل أبسط، البيتكوين أحد أشهر العملات الرقمية، وأعلاها قيمة حالياً. كعملة رقمية تم تشفيرها من البداية على أن يحتوي الكود على 21 مليون قطعة فقط، وبمجرد الانتهاء من تعدينهم جميعاً أو استخراجهم، لن يكون هناك بتكوينات جديدة، أي لن يتم طباعة أموال جديدة كما يحدث في العملات الاعتيادية الأخرى. وهذا يعني أنك لو تمتلك 1 بيتكوين فهذا يعني أنك تمتلك 1/21000000 من إجمالي ثروة العالم من البيتكوين.
لماذا تتسم العملات الرقمية بالتقلبات الشديدة؟؟
بالمقارنة بالعملات الصادرة من قبل البنوك، والتي تعرف أيضاً بالعملات المجازة من قبل الدولة، فإن تقلبات أسواق العملات الرقمية تعتبر غريبة. ولتكوين صورة واضحة عليك أن تعرف أن تقلبات أسعار أزواج العملات الأجنبية في الأسبوع تقدر بأقل من 1%. إلا أن تقلبات البتكوين، من ناحية أخرى وصلت إلى 60% سنوياً في العام 2017, بينما واجهت عملات رقمية أخرى تقلبات أكبر من ذلك.
إذن ما هي بعض الأسباب وراء هذه التقلبات؟
ويعلمنا تاريخ السوق أنه عندما يكون السوق جديداً، يمكن أن تحدث تغيرات مفاجئة في الأسعار، حيث يستوعب المتداولون والمستثمرون المزيد من المعلومات الجديدة. فالفترات التي ترتفع فيها الأسعار تليها فترات انخفاض حتى يصل السوق إلى حالة الاستقرار.
في حين أن البعض قد يعتقد أن أسعار العملات الرقمية تتحرك بطريقة تشبه الفقاعة، ليس هناك شك في أن المستويات الحالية للتقلبات توفر فرصاً عديدة للمتداولين اليوم. هذا هو الحال بشكل خاص خلال عطلة نهاية الأسبوع، التي حطمت فيها بتكوين تاريخياً أعلى مستوياتها القياسية.
مزايا العملات الرقمية:
1 – الأمان والخصوصية
تلك الخاصتان كانتا الدافع الأساسي لبناء العملات الرقمية من البداية، لذلك فإن جميع سجلات شبكة بلوك تشين blockchain تستند في بنائها إلى خوارزميات تشفير مختلفة يصعب فكها أو تحليلها. مما يجعل العملة الرقمية أكثر أماناً من المعاملات الإلكترونية العادية أضافة إلى استخدام أسماء مستعارة أو أرقام حسابات غير مرتبطة بأي مستخدم أو حساب أو بيانات مخزنة يمكن ربطها بملف تعريف بما يحقق مبدأ الخصوصية.
2 – محمية من فقدان قيمتها أو التضخم
التضخم يعتبر آفة في اقتصاد العالم أجمع، والعديد من العملات الاعتيادية واجهت وما زالت تواجه خطر التضخم، لكن فكرة أن العملات الرقمية يتم إنتاجها على أساس تحديد سقف سوقي لها. وكمية محدودة منها يتواكب مع السوق ويحميها من التضخم على المدى الطويل.
3 – إمكانية صرف العملات بسهولة
تعتبر من المزايا المهمة جداً والتي أعطت للعملات الرقمية قيمة حقيقية وسط التعاملات المادية حيث يمكن استبدالها بالعملات الاعتيادية كقيمة صرف مقابلة، مما يعني أن لكل منها سعر صرف متغير مع العملات العالمية الرئيسية، مثل الدولار الأمريكي USD أو الجنيه الإسترليني GBP أو اليورو EUR أو الين الياباني JPY, الأمر الذي ساعد في انتشارها وفي القبول عليها وطلبها كونها بديل للمعاملات النقدية الاعتيادية ومكافئة لها في القيمة.
4 – اللامركزية
على عكس العملات الاعتيادية أو عملات النقد الإلزامي التي تسيطر عليها الحكومات متمثلة في البنوك المركزية، فإن العملات الرقمية لا مركزية بطبيعتها ولا يمكن التحكم فيها أو زيادة عددها أو وقف التعامل بها أو إتاحتها إلا من قبل من يستخدموها ويملكون منها الكمية الأكبر، أو من خلال منظمة إنشائها أو تطويرها قبل طرحها في السوق، الأمر الذي يساعدها على الحفاظ عليها من الاحتكار وحمايتها من تحديد التدفق أو القيمة لضمان استقرارها وخصوصيتها وشفافيتها وأمنها.
عيوب العملات الرقمية:
1 – فقدان البيانات يعني خسائر مالية ضخمة
أراد المشرفون والمطورون على العملات الرقمية إنشاء كود مصدر بخوارزميات التشفير لا يمكن تعقبها وبروتوكولات مصادقة غير قابلة للاختراق، بهدف جعل حفظ الأموال عبر العملات الرقمية أكثر أماناً وسرية عن النقد التقليدي، ولكن الوجه الآخر لهذا القدر من الخصوصية أنه إذا فقد أي مستخدم المفتاح الخاص بالولوج إلى محفظته الرقمية أو حسابه، فلا يمكن استعادته. ستبقى المحفظة مقفلة على ما فيها من عملات مما يجعلها في حكم المفقودة.
2 – بعض من العملات الرقمية لا يمكن صرفها بالعملات الاعتيادية
الأمر الذي يفقدها ميزة الصرف حيث لا يمكن تداول بعض العملات الرقمية إلا مقابل عملة واحدة أو عملات معينة. مما يؤدي ذلك إلى إجبار المستخدم على تحويل هذه العملات الرقمية إلى إحدى العملات الرئيسية، مثل البيتكوين Bitcoin أو الإيثيريوم Ethereum أولاً ثم من خلال بورصات خاصة، ثم إلى العملة التي يريدها. هذا ينطبق فقط على عدد قليل من العملات الرقمية. لذلك قد يتم إضافة رسوم أو عمولات على المعاملات الإضافية في العملية. مما يكلف أموالاً غير ضرورية.
3 – يسهل استخدامها في المعاملات غير القانونية
الأمان والخصوصية المطلقة التي كانتا أهم ما يميزها تصعب على الحكومات تعقب أي مستخدم من خلال عنوان محفظته أو معرفة بياناته وربما نذكر أنه تم استخدام البيتكوين Bitcoin كوسيلة لتبادل الأموال والتمويل في الكثير من الصفقات غير القانونية، كما يستخدم البعض العملات الرقمية لغسيل الأموال التي حصلوا عليها بطريقة غير مشروعة من خلال وسيط نظيف لإخفاء مصدرها.
4 – بورصات تداول العملات الرقمية عرضة للاختراق
على الرغم من أن أمان وخصوصية العملات الرقمية إلا أن بورصات تداولها ليست آمنة بذاك القدر. تقوم معظم البورصات بتخزين بيانات المحفظة الخاصة بالمستخدمين لتشغيل معرف المستخدم الخاص بهم بشكل صحيح. ويمكن للمتسللين من المخترقين المحترفين التسلل إلى هذه البيانات والوصول إليها وأيضاً سرقة العملات الرقمية المخزنة بها، وقد تم فعلاً اختراق بعض البورصات مثل Bitfinex أو Mt Gox. وقم تم سرقة وحدات من البيتكوين Bitcoin بالآلاف بما يعادل ملايين الدولارات الأمريكية، معظم البورصات آمنة للغاية حالياً، ولكن هناك دائماً احتمال حدوث اختراق آخر.