منذ سنتين أو أكثر ظهرت شبكة تيرا الاستثمارية بخطتها الاستثمارية الرائعة التي تمنحك 20% من الأرباح سنويا مقابل الإيداعات في عملتها UST المستقرة، كانت هذه الخطة الاستثمارية جذابة للمستثمرين وكل من يحب أن يحافظ على أمواله في ظل هذا التضخم الاقتصادي في السنوات السابقة، ولكن؟
بعد سنتين من بدايتها ازدياد شهرتها على نطاق واسع في مجال العملات الرقمية، تسببت شركة تيرا بخسارة سوق العملات الرقمية إلى أكثر من 45 مليار دولار خلال أسبوع واحد، كيف حدث ذلك؟
اشتهرت حادثة انهيار شبكة تيرا على أنها مشابهة للانهيار الاقتصادي الذي حصل في عام 2008 ولكنه خاص بسوق العملات الرقمية هذه المرة، حيث تسببت بخسارة أموال الملايين من الناس حول العالم وجعلت الكثير ممن يمتلكون الملايين بحالة اقتصادية صعبة جدا في وقت قصير جدا.
ما هو دور المؤسس دو كوون؟
أعجب دو كوون بفكرة العملة الرقمية المستقرة التي تضمن للمستثمرين حفظ أموالهم بمكان بعيد عن تقلبات الأسواق والمخاطر أو للمستثمرين الذين يحبون الربح المضمون من غير خسائر عبر تقنية تخزين العملات لفترة طويلة والحصول على فوائد في المقابل.
ولكن دو كوون لم يعتمد على احتياطي مالي في تقنيته للعملة المستقرة بل قرر اتخاذ طريق كان أكثر ضمانا بالنسبة له وهو دعم العملة من قبل أثنين من أكبر صناديق التمويل في آسيا، كما أن دو كوون لم يكن شخصا ساذجا يجيد الكلام فقط، بل كان مهتما بالتفاصيل بشكل كبير جدا، ولكن في غضون سنة أو سنتين غادر جميع مسؤولي شبكة تيرا الأخرين تحت أسباب قانونية، مما جعل دو كوون هو الرجل الوحيد القادر على اتخاذ القرار في الشبكة وتنفيذ ما يريده، مما أدى مؤخرا إلى انهيارها بشكل مريع وخسارة المستثمرين لمليارات الدولارات.
آلية عمل العملة المستقرة لشبكة تيرا
أنشأت شبكة تيرا عملة رقمية مستقرة وأعطتها أسم UST كانت وظيفتها الوحيدة هي مساواة سعر الدولار الواحد ولكي يتحقق هذا الشرط انشأت شبكة تيرا عملة رقمية أخرى أعطتها أسم LUNA لتتحمل جميع تقلبات السوق وتغيرات الأسعار.
أتاحت شبكة تيرا طريقتين لشراء عملتها المستقرة وهما إما شراءها من داخل نظام الشبكة عبر استبدال عملة LUNA بها أو شراءها مقابل العملات الرقمية الأخرى بشكل خارجي، بينما كان يعمل نظام الشبكة على استقرار سعر العملة وعدم تغيره لتبقى ثابتة مقابل سعر الدولار، ومن إحدى الأفكار التي قدمتها الشبكة هي تخزين عملتها UST والحصول في المقابل على عائد مادي كبير للمساعدة في الحفاظ على ثبات النظام والتأكد من سير استقرار العملة بالشكل السليم.
ولكن كانت هناك مشكلة كبيرة والتي هي أن النظام مصمم بغض النظر عن تقلبات سعر عملة UST مقابل العملات الأخرى، ومع هبوط سوق العملات الرقمية بشكل متكرر وعدم استقراره، بدأ المستثمرون بالخروج من العملات الرقمية وتأمين أموالهم في العملات المستقرة، مما أدى إلى انخفاض سعر عملة LUNA بشكل جنوني بسبب بيعها بشكل كبير وهي العملة المسؤولة عن حفظ استقرار عملة UST الرقمية، وبما أن النظام مصمم على الحفاظ على استقرار سعر عملة UST الرقمية مهما حدث لعملة LUNA الرقمية، استمر النظام بطرح المزيد من عملة LUNA الرقمية للبيع بأسعار منخفضة مما أدى إلى انهيارها بشكل أكبر.
كان هذا طبيعيا وصولا إلى حد معين، بعدها بدأ النظام بصناعة المزيد من عملات LUNA الرقمية وعرضها للبيع من أجل الحفاظ على استقرارها ولكن هذه الطريقة تسببت بانهيار العملة بطريقة غير قابلة للإصلاح من بعدها.
وفي مقابل ازدياد أعداد عملة LUNA الرقمية بشكل خيالي في وقت قصير، كان المستثمرون يحصلون على عائد كبير من التخزين السنوي للعملة يصل إلى 20% بدون أي شروط حول وقت وكيفية سحب العملات من الشبكة والذي يعتبر أحد أهم أسباب جذب المستثمرين بشكل كبير للشبكة وتسبب بنموها بشكل سريع جدا، في حين أن شبكات العملات الأخرى تقدم عائدا سنويا متغيرا اعتمادا على تقلبات السوق.
وصل عدد المشتركين في خطة العائد السنوي للشبكة إلى عدد كبير جدا حيث وصلت العائدات التي يجب دفعها من قبل الشبكة للمستثمرين يوميا إلى حوالي 7 مليون دولار.
ومع بداية الشك حول استقرار عملة LUNA الرقمية، قام المستثمرون مباشرة بإخراج العملة من محافظهم مما أدى إلى انهيار العملة بشكل غير مسبوق في تاريخ العملات الرقمية.
سابقا تلقت شبكة تيرا انتقادات لاذعة حول كونها غير مستقرة بالشكل المطلوب ولكن داعمي الشبكة ومطوريها رفضوا الانتقادات بسبب نجاحها الباهر حيث وصلت إلى سعر أعلى من 100 دولار وقيمة سوقية تتعدى 45 مليار دولار، كما أنها عقدت شراكات مع مئات التطبيقات التي تدعم التمويل اللامركزي وغيرها.
وقد تظن ان الشبكة مزدهرة من مظهرها الخارجي ولكن من النظرة الداخلية صرح الموظفين بأن دو كوون كان دكتاتورا حيث كان ينفذ ما يراه مناسبا مهما كان مؤذيا او مضرا بالشبكة.
ومع نظام الشبكة المتطور تم توزيع احتياطي الأموال لدعم العملة وحمياتها إلى 450 مليون دولار وقيمة 1 مليار دولار من البيتكوين لتبدو كأقوى عملة رقمية من ناحية الاحتياطات المالية في سوق العملات الرقمية، مما أعطى دفعة كبيرة من الثقة الزائدة لدو كوون وجعله يظهر تكبره وثقته العمياء على العلن في العديد من المقابلات.
ولكن خلف الكواليس كانت العملة قد بدأت في الانهيار بالفعل وفقا لبعض الملفات المقدمة لدو كوون من قبل الشبكة قبل أن يتم الانهيار بتاريخ 30 ابريل أي قبل الانهيار بفترة قصيرة جدا، ولكنه لم يقم بأي حركة لتغيير هذا الوضع وإيجاد حل للأزمة.
الانهيار الكبير لعملة لونا
في اليوم التاسع من الشهر الخامس بدأ المستثمرون بملاحظة شيء غير عادي يحدث، عملة UST الرقمية بدأت تهتز بشكل كبير وتفقد ارتباطها بالدولار وبدأت الأزمة بالتضخم بعدما بدأ المستثمرون يشعرون بالذعر ويبيعون العملة للخروج منها قبل الانهيار مما أدى إلى سقوطها بشكل حر.
ووفقا لبعض المحليين وصل حجم الأموال التي غادرت UST في تلك اللحظات وصل إلى 4 مليار دولار، كما أن محفظة واحدة قد باعت عملة UST الرقمية على سعر السوق لشبكة الإيثيريوم و108 مليون دولار غيرها لمنصة بينانس الرقمية مما يثير الشكوك بشكل كبير إلى أن الهجوم على العملة كان منسقا ومخططا له.
ولكن لم يستطع أحد التركيز ورؤية ما كان يحدث حيث أن عملة UST الرقمية وصلت إلى 90 سنت أو أقل، مما أدى إلى خوف المستثمرون وسحب أموالهم دفعة واحدة، في الجانب الأخر LUNA أعلنت عن إطلاق مليار ونصف دولار مخصصة للحالات الطارئة لإنقاذ عملة UST من الانهيار ولكنها لم تكن كافية لإنقاذها، ثم بدأت عملة LUNA الرقمية في الانهيار أيضا، لتصل حاليا إلى سعر يقارب الصفر دولار.
خلال عدة أيام تحولت شبكة تيرا التي تساوي قيمتها 45 مليار دولار إلى شبكة عديمة القيمة.
كما أنه بعد هذا الانهيار قررت بريطانيا عقد اجتماع ومحاولة إيجاد قانون تنظيمي سريع للعملات الرقمية ككل والعملات الرقمية المستقرة خصوصا، كما أن المتحدث العام باسم الخزنة المالية قال “الحكومة تبينت أن العملات الرقمية ليست مناسبة لعمليات الدفع بدون احتياطي مالي كافي لدعم العملة” مشيرا إلى عملة LUNA الرقمية بشكل غير مباشر.
وعلى هذا السعر، من استثمر 1 مليون دولار في عملة LUNA الرقمية قبل الانهيار بأسبوع يملك الأن 3 دولار فقط، وهذه هي حال جميع مستثمرين عملة LUNA الرقمية الذين لم يتوقعوا وصولها إلى هذه الحالة، وفي هذه الأيام تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بقصص الخسائر المرعبة بسبب هذا الانهيار.