ساتوشي ناكاموتو … المبتكر والمفكر

ساتوشي ناكاموتو هو مبتكر البيتكوين المجهول الذي أحدث تغييراً تاريخياً باختراعه. فمنذ فجر الفلسفة اليونانية إلى العصر الذهبي للإسلام، غالباً ما نتساءل كيف وما هي الثقافة التي ساهمت في هذه الفترات من انفجارات الفكر الحر والابتكار؟ وما هو الدافع وراء الأفكار اليونانية والمراحل الأولى للعلم خلال العصر الذهبي للإسلام؟

الفلسفة والفكر اليوناني

أين سيكون الفكر الحر والمبتكر بدون الفلاسفة اليونانيين العظماء؟ بدون طاليس ميليتس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وفيثاغورس، هل كان من الممكن أن يكون العصر الذهبي للإسلام موجوداً؟ بدون الزهراوي، عباس بن فرناس، البيروني، ابن سينا ، ابن رشد، ابن النفيس، محمد بن موسى الخوارزمي، ابن خلدون، هل كان من الممكن أن تكون النهضة موجودة؟ بدون ليوناردو دافنشي ونيكولاس كوبرنيكوس وأندرياس فيزاليوس وفرانسيس بيكون وتوماس أكويناس وإسحاق نيوتن وجاليليو وكبلر وديكارت، كيف سيكون العلم والفلسفة الحديثة في القرنين التاسع عشر والعشرين؟

أعطانا سقراط، الذي يعتبر أبو الفلسفة الغربية، ابتكار الطريقة السقراطية. كانت أفكاره عن المنطق والعقلانية راديكالية وألهمت في النهاية المساهمات العلمية للفلاسفة والمفكرين المستقبليين. يمكن إرجاع أصول الفكر الفكري والإنسانية والنظرية الاجتماعية والأفكار الاقتصادية والديمقراطية إلى الأفكار اليونانية القديمة. من المحتمل أن تعود الديمقراطية الأولى إلى أثينا. كانت محاولة الانتقال من سلطة مركزية – مركزية إلى أسلوب لامركزي للحكم والتمثيل، ولا تزال، ذات تأثير هائل على الديمقراطيات الغربية اليوم.

العصر الذهبي للإسلام -ابتكار جديد.

كان النبي محمد (ص) هو البادئ بتحول جديد في الفكر، أكد على سعة الاطلاع ليس فقط بين النخبة الأرستقراطية، ولكن بين كل مواطن. يمكنك القول أن النبي محمد كان محفزاً لمحو الأمية في فترة من العالم كانت فيها معرفة القراءة والكتابة وسعة المعرفة أقلية. لم يكن محمد مجرد مبتكر اجتماعي، ولكن يمكن أيضاً تقديم حجة بأنه كان أيضاَ مبتكراً اقتصادياً. ويمكن أن نطلق عليه شخصية مركزية في تشكيل مقدمة لشكل من أشكال الرأسمالية واقتصاديات السوق الحرة التي نراها اليوم.

فخلال الفترة التي قضاها في المدينة، أنشأ النبي محمد سوقاً منافسة تجاوزت في النهاية الأسواق الأخرى في المدينة المنورة. كان هذا في المقام الأول بسبب عدم فرض ضرائب على السلع والخدمات بين مختلف التجار. كانت سوقاً جذرية ومبتكرة ورائعة.

ازدهر الإسلام وتوسعت الإمبراطورية في الغرب إلى شبه الجزيرة الأيبيرية والشرق بالقرب من أفغانستان وباكستان حالياً. كانت الرسالة التي بشر بها النبي محمد وأصحابه مراراً وتكراراً طريقة حياة، سواء في السوق أو في التفاعلات الاجتماعية اليومية. إن التركيز على تعلم فك رموز بعض كتابات وأسرار العالم التي ذكرها القرآن قد خلق ثقافة لكبار الفلاسفة والمفكرين. كما فعل اليونانيون، عند تسليم الشعلة لمواطني العصر الذهبي الإسلامي، تم تسليم الشعلة إلى الأوروبيين الغربيين للدخول في نهاية المطاف في عصر النهضة.

عصر النهضة

تأثر العديد من المفكرين العظماء بفلاسفة المواطنين الناطقين بالعربية في العصر الذهبي الإسلامي. ساهم توماس أكويناس وفيبوناتشي ودافنشي ومايكل أنجلو وكوبرنيكوس في انفجار الفلسفة والفن. بمساعدة الترجمات العربية للنصوص اليونانية، أعيد اكتشاف الفلسفة اليونانية الكلاسيكية ونشأت أوروبا في العصور الوسطى من رماد العصور المظلمة والبدايات النهائية لعصر النهضة.

أدى عصر النهضة إلى ولادة جديدة من الفضول الفكري والفكر الحر. يمكن القول إن أعظم تقنية ظهرت في هذه الفترة كانت المطبعة. فقد سمحت بتطوير الاتصال الجماهيري، وسمحت بتطوير الطبقة الوسطى. كما أزال التراكم المركزي للمعرفة من السلطات الدينية والسياسية، ووزعت ولادة جديدة للمعرفة على الجماهير. كان التحول من التراكم المركزي للمعرفة إلى التراكم اللامركزي للمعرفة فائدة عامة للمجتمع في نهاية المطاف.

عصر التنوير

كان عصر العقل فترة استثنائية جلبت لنا أمثال إسحاق نيوتن ورينيه ديكارت وآدم سميث. و نظراً لأن عصر النهضة كان يُعرف أيضاً باسم ولادة الفضول الفكري من جديد، يمكن أيضاً تسمية عصر التنوير بإعادة ولادة الإنسانية، والتي يمكن أن تعود أصولها إلى الفلسفة والفكر اليونانيين. كانت الإنسانية فلسفة أكدت أن العقل والاستقلالية هي الجوانب الأساسية للوجود البشري. سيكون التعريف الأكثر حداثة وتكنولوجياً هو التحول من الفكر المركزي، أي السلطة المركزية الدينية أو الحكم المركزي، إلى فكر سيادي فردي أكثر لامركزي.

وقد ألهم التنوير الديمقراطية. فالولايات المتحدة تشكلت خلال عصر التنوير. فقد قام بنجامين فرانكلين وتوماس جيفرسون وجيمس ماديسون بدمج المُثُل العليا أثناء صياغة دستور الولايات المتحدة. ويمكن القول إن عبارة “نحن نعتبر هذه الحقائق بديهية، وأن جميع الناس خلقوا متساوين، وأن خالقهم منحهم حقوقاً معينة غير قابلة للتصرف، ومن بينها الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة” له أصل وتأثير إنساني.

العصر الحديث

يُعتقد أن عصرنا الحديث الحالي قد بدأ مع العصر الصناعي، الذي بدأ تقريباً في منتصف القرن الثامن عشر، ويمتد إلى عصر المعلومات في يومنا هذا. يمكن النظر إلى العصر الحديث على أنه الارتفاع النهائي للتكنولوجيا الرقمية والتكنولوجيا الحيوية. قبل أينشتاين، كان هناك إسحاق نيوتن وجيمس كليرك ماكسويل. كانت اكتشافات إسحاق نيوتن حول الجاذبية والبصريات هي الأسس التي أدت إلى أحد المبتكرين وأكبر المساهمين في عصر التكنولوجيا، جيمس كليرك ماكسويل. عندما قال أينشتاين إنه يقف على أكتاف العمالقة، كان يشير إلى نيوتن وماكسويل.

أضاف ماكسويل إلى اكتشافات نيوتن واستمر في مواءمة الكهرباء والمغناطيسية والضوء لتشكيل نظرية المجال الكهرومغناطيسي. كما ساهمت هذه المواءمة في اكتشاف الطاقة الكهربائية والتلفزيون والراديو.

ها نحن الآن، ما يقرب من 2500 عام بعد سقراط وما يقرب من 200 عام بعد ماكسويل. من الكهرباء إلى التصوير، فالراديو، فالتلفزيون، فالكمبيوتر، فالإنترنت، فالهاتف الذكي، وحالياً البيتكوين.

جميع الفلاسفة والمفكرين العظماء كانوا يحاولون اكتشاف وفك ألغاز العالم لخلق شبكة إيجابية لمجتمعاتهم. إحدى النتائج الناشئة التي تم ملاحظتها من معظم الأفكار العظيمة من العصور القديمة الكلاسيكية إلى يومنا هذا كانت التركيز على اللامركزية ومساهمتها في التأثير الإيجابي الصافي للمجتمع، مثل الطريقة السقراطية، وتركيز الإسلام المبكر على التعلم ومحو الأمية خلال عصره الذهبي، والمطبعة، وديمقراطية الولايات المتحدة الأمريكية. وتشمل الأمثلة الأخرى في العصر الحديث الكمبيوتر الشخصي أو الإنترنت (أو شبكة الويب العالمية).

تراث ساتوشي ناكاموتو

لنفترض أن ساتوشي ناكاموتو كان شخصاً، وبما أن ساتوشي هو اسم ذكر في اليابانية، سنفترض أنه كذلك. بإمكاننا وضع ساتوشي على قدم المساواة مع كبار المفكرين والفلاسفة في الماضي. بالنظر إلى ما ابتكره ساتوشي، فيمكن تخيله باعتباره متعدد المواهب ومثقفاً. نحن نعلم أنه يجب أن يكون لديه فهم واضح للمبادئ الرياضية والتشفيرية، ولكن يجب أن يكون على علم بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والفلسفية والنفسية للمجتمع. ولذ نفترض أنه فهم تاريخ المجتمعات في الماضي، وإبداعاتها، وعيوبها. كان عليه أن يعرف العقبات التي يضعها القادة في المجتمع للحفاظ على الوضع الراهن.

كان ابتكار ساتوشي لبيتكوين، ولا يزال فكرة رائعة. لا ينكر الكثيرون جمال سقف الـ 21 مليون والطبيعة الانكماشية لعملة البيتكوين، وميزات الأمان، وتجاوز التمويل القديم من خلال الفكرة الرائعة للحضانة الذاتية. لكن دعونا نتوقف للحظة ونأخذ نفساً عميقاً. إذ يعتقد البعض أن الجزء الأكبر والميزة التي تم تقديمها في بيتكوين كانت الطبيعة المستعارة لساتوشي ناكاموتو واللامركزية في بيتكوين.

يترك ساتوشي ناكاموتو هويته مخفية، وهي ميزة رائعة. وهذا يعيدنا إلى فترة من الفترات حيث تم وضع ونشر الأفكار باسم مستعار. فخلال فترة كتابات إسحاق نيوتن، كانت هناك عادة شائعة لنشر فكرة أو مقال علمي تحت اسم مستعار. كان السبب وراء ذلك أن يركز القراء على الفكرة بدلاً من المؤلف. إذ يمكن للنشر تحت الاسم الحقيقي للشخص أن يستدعي هجوماً على المؤلف بدلاً من الفكرة. فتركز هذا الخطاب العام على الدوران حول مزايا الفكرة الفعلية، وكان على ساتوشي أن يعرف هذا عن المجتمع. كان يعلم أن التداعيات المحتملة للتغيير المجتمعي لهذه الفكرة كانت هائلة، وأن هويته ستعيق الخطاب العام.

أقوى جانب في ابتكار ساتوشي هو الطبيعة اللامركزية لشبكة بيتكوين، حيث ذكرنا أهمية اللامركزية باعتبارها منفعة إيجابية تامة للمجتمع. بعد فوات الأوان، أصبح الأمر واضحاً الآن، لكنه لم يكن كذلك في عام 2017 أثناء النقاش المقترح بشأن حجم الكتلة الأكبر. لكي تظل الفكرة الرائعة رائعة، يجب أن تكون اللامركزية جزءاً منها. الفكر الحر، ومحو الأمية، والمطبعة، والديمقراطية، وأجهزة الكمبيوتر، والإنترنت، وبيتكوين كلها أفكار رائعة، ولكن بدون عنصر لامركزي للفكرة الأساسية، فمن غير المرجح أن تدوم طويلاً. تعتبر تقنية بلوكتشين فكرة رائعة وقد استحوذت بيتكوين عليها. هل يمكن أن تدوم عملة البيتكوين 100، 200، 500، 1000 سنة؟ لا أحد يعلم.

لكن ما هو مؤكد أنه إذا ظهرت فكرة جديدة أفضل من البيتكوين، فمن المحتمل أن تكون تقنية غير موجودة حالياً، وسيكون لها مكون لامركزي فيها. إن أكبر فائدة صافية ساهمت بها فكرة ساتوشي هي أن كل الأفكار العظيمة المتغيرة للمجتمع يجب أن تتضمن اللامركزية كمكوِّن أصيل وأساسي.