أخبار العملات الرقمية

تأثير تشريعات MiCA الأوروبية والتحركات الأمريكية على مستقبل العملات المستقرة والمنافسة السوقية

يدخل سوق العملات المشفرة عام 2025 وهو يودع نهائياً “الغرب المتوحش”. إذا كانت السنوات الماضية قد اتسمت بالغموض التنظيمي الذي سمح بالنمو الهائل والمضاربة المحمومة، فإن العام الحالي يمثل “عصر التنظيم الحاسم”. لم تعد الحكومات والهيئات المالية الكبرى تكتفي بالمراقبة؛ بل انتقلت إلى مرحلة فرض القواعد بشكل صارم.

في قلب هذه العاصفة التنظيمية، يقف قطاع العملات المستقرة (Stablecoins) الذي تبلغ قيمته مئات المليارات من الدولارات. هذا القطاع، الذي يُعد شريان الحياة للسيولة في سوق الكريبتو، يواجه الآن إعادة تشكيل جذرية بقيادة جبهتين رئيسيتين: الاتحاد الأوروبي، بقانونه الشامل (MiCA)، والولايات المتحدة، بتحركاتها المتسارعة لترويض السوق. هذه ليست مجرد قواعد جديدة؛ إنها إعادة رسم لخريطة المنافسة بأكملها.

1. “الصدمة الأوروبية”: كيف يعيد قانون MiCA تعريف اللعبة؟

يُعد قانون تنظيم أسواق الأصول المشفرة (MiCA) الذي بدأ تطبيقه في الاتحاد الأوروبي، الإطار التنظيمي الأكثر شمولاً وتأثيراً في العالم حتى الآن. وبالنسبة للعملات المستقرة، فإن تأثيره مباشر وحاد.

  • قيود صارمة على العملات غير الأوروبية: يفرض (MiCA) متطلبات صارمة على مصدري “رموز النقود الإلكترونية” (e-money tokens)، وهي التسمية التي يطلقها على العملات المستقرة. الأهم من ذلك، أنه يضع قيوداً على استخدام العملات المستقرة المقومة بغير اليورو، مثل (USDT) و (USDC)، في المعاملات اليومية داخل دول الاتحاد.
  • “إعادة معايرة” السوق الفورية: كان رد فعل السوق فورياً. فمع اقتراب المواعيد النهائية للامتثال، بدأت منصات تداول الأصول المشفرة (CASPs) في أوروبا في إعادة مواءمة سيولتها بشكل جذري. لقد أدى هذا إلى “هزة عنيفة” في موازين القوى.
  • صعود اليورو الرقمي: كشفت البيانات بين عامي 2024 و 2025 عن تحول مذهل. ففي حين أن (USDC) التابعة لشركة Circle (التي تعتبر ممتثلة تنظيمياً) شهدت نمواً بنسبة 86%، فإن عملة (EURC) المستقرة والمدعومة باليورو من نفس الشركة، شهدت نمواً هائلاً بنسبة 2,727%.

هذه الأرقام لا تكذب. قانون (MiCA) لا ينظم السوق الأوروبي فحسب، بل إنه ينجح قسراً في خلق سوق ضخم ومطلوب للعملات المستقرة المدعومة باليورو، متحدياً بذلك هيمنة الدولار الأمريكي المطلقة على سيولة الكريبتو لأول مرة.

2. الولايات المتحدة: البحث عن “الوضوح” وضمانات الاحتياطي

على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، لا تزال الولايات المتحدة تفتقر إلى قانون واحد شامل مثل (MiCA). بدلاً من ذلك، يتشكل المشهد التنظيمي الأمريكي من خلال مجموعة من التشريعات المقترحة، والتحركات من هيئات مثل هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC)، والجهود المبذولة لترسيم الحدود بين “الأوراق المالية” و “السلع”.

ومع ذلك، يتركز الإجماع الأمريكي الناشئ لعام 2025 حول نقطتين حاسمتين للعملات المستقرة:

  • جودة الاحتياطي (1:1): هناك دفع تشريعي قوي، مثل “قانون وضوح العملات المستقرة للدفع” (Clarity for Payment Stablecoins Act)، الذي يلزم المصدرين بالحفاظ على احتياطيات بنسبة 1:1 من الأصول السائلة عالية الجودة (مثل النقد وسندات الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل). هذا يهدف إلى منع أي انهيارات مستقبلية (مثل ما حدث مع Terra/UST) وضمان ثقة المستخدمين في أن كل دولار رقمي مدعوم بالفعل بدولار حقيقي.
  • تحديد هوية المُصدر: يدور الجدل الرئيسي في واشنطن حول من يُسمح له بإصدار العملات المستقرة. هل يجب أن يقتصر ذلك على البنوك المؤمن عليها فيدرالياً، أم يمكن لشركات التكنولوجيا المالية غير المصرفية (مثل Circle) القيام بذلك بموجب ميثاق اتحادي جديد؟ هذا التحديد سيرسم ملامح المنافسة لعقود.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إلغاء “نشرة المحاسبة للموظفين رقم 121” (SAB 121) مؤخراً، يسهل على البنوك الكبرى تقديم خدمات حفظ الأصول المشفرة، مما يفتح الباب أمام دخول اللاعبين الماليين التقليديين (TradFi) كأوصياء ومصدرين جدد للعملات المستقرة.

3. مستقبل المنافسة: الشفافية والامتثال أولاً

هذا التدخل التنظيمي المزدوج من أكبر كتلتين اقتصاديتين في العالم ينهي فعلياً عصر “النمو بأي ثمن”. المنافسة في سوق العملات المستقرة لم تعد تتمحور حول سرعة الانتشار أو الرسوم المنخفضة فقط، بل أصبحت تدور حول:

  • الامتثال التنظيمي: العملات المستقرة غير الممتثلة أو التي تفتقر إلى الشفافية في احتياطياتها (مثل Tether “USDT” التي تواجه تدقيقاً مستمراً) ستجد نفسها معزولة بشكل متزايد عن الأسواق الرئيسية مثل أوروبا، وتُشطب من المنصات الكبرى.
  • الشفافية وجودة الاحتياطي: المصدّرون القادرون على تقديم تقارير تدقيق يومية أو شهرية لاحتياطياتهم (كما تفعل Circle و Paxos) سيكسبون ثقة المؤسسات.
  • التكامل المصرفي: ستزدهر العملات المستقرة التي تندمج بسلاسة مع الأنظمة المصرفية التقليدية وتلك التي تدعمها البنوك مباشرة.

[adsforwp id="60211"]
[adsforwp id="60211"]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى