العملات الرقمية ومستقبلها في فرنسا: بين التنظيم المؤسسي والطموح الأوروبي

تشهد فرنسا تحولاً محورياً في تعاملها مع الأصول المشفرة. فبدلاً من تبني سياسة التضييق، اختارت فرنسا أن تكون في طليعة الدول التي تطبق التشريعات الأوروبية الصارمة، بهدف خلق بيئة منظمة وجاذبة للاستثمار الآمن والتبني المؤسسي الواسع.
I. الإطار التنظيمي: التزام فرنسي صارم بـ MiCA
تُعتبر فرنسا من أوائل الدول الأوروبية التي تبنت وأظهرت جاهزية كبيرة لتطبيق لائحة أسواق الأصول المشفرة (MiCA – Markets in Crypto-Assets)، وهي الإطار التنظيمي الشامل للاتحاد الأوروبي الذي دخل حيز التطبيق الكامل في نهاية عام 2024 وبداية عام 2025.
- الريادة التنظيمية: كانت فرنسا، ممثلة في هيئة الأسواق المالية الفرنسية (AMF)، سباقة في وضع إطار تنظيمي محلي (قانون PACTE لعام 2019) قبل MiCA، وهو ما مهد الطريق للالتزام الكامل باللوائح الأوروبية.
- الضغوط على المنصات: أدى التشديد التنظيمي الفرنسي إلى زيادة التدقيق على منصات التداول الكبرى، مما دفع بعض المنصات العالمية مثل Bybit للإعلان عن وقف خدماتها في فرنسا اعتبارًا من يناير 2025، بسبب زيادة الضغوط التنظيمية ومتطلبات الامتثال.
- تحديات “جواز السفر”: تُبدي هيئة الأسواق المالية الفرنسية قلقها من محاولة بعض شركات الكريبتو الحصول على ترخيص MiCA في دول أوروبية ذات معايير أسهل، ثم استخدام “جواز السفر” الأوروبي للعمل في فرنسا. وقد حذرت السلطات الفرنسية من أنها قد تسعى لمنع عمل هذه الشركات محلياً لضمان جودة الرقابة.
II. التبني المؤسسي والتكامل المصرفي
تعتبر فرنسا الآن من الدول الصديقة للعملات المشفرة في أوروبا، نظراً لوجود نظام بيئي تقني قوي وإطار تنظيمي واضح، مما شجع المؤسسات المصرفية التقليدية على الدخول بقوة في المجال:
- دخول البنوك الكبرى: يخطط عملاق البنوك الفرنسي Groupe BPCE (أحد أكبر البنوك في فرنسا) لتقديم خدمات استثمار في البيتكوين والعملات المشفرة لعملائه في عام 2025 عبر شركته الفرعية المعتمدة Hexarq. حصلت Hexarq على ترخيص مقدمي خدمات الأصول الرقمية (PSAN) بموجب قانون MiCA، مما يعكس تحولاً كبيراً من الموقف الحذر سابقاً إلى الاندماج المؤسسي.
- الاحتياطيات والضرائب: هناك مقترحات سياسية قيد التقييم تدفع باتجاه احتياطي وطني من البيتكوين (2% من إجمالي المعروض)، والسماح بـ حيازة البيتكوين داخل خطط الادخار في الأسهم (عبر أدوات منظمة)، وإمكانية استخدام العملات المستقرة المدعومة باليورو في المدفوعات اليومية بحد أقصى معفى من الضرائب (حتى 200 يورو).
III. الطموحات التقنية: البيتكوين والطاقة النووية
تستكشف فرنسا سبل الاستفادة من بنيتها التحتية المتميزة في مجال الطاقة لتعزيز قطاع الكريبتو:
- تعدين البيتكوين والطاقة النووية: دعا مشرعون فرنسيون إلى مراجعة وطنية لكيفية تسخير تعدين البيتكوين في استيعاب فائض الكهرباء المتوفر، وخاصة من قطاع الطاقة النووية الفرنسي الضخم.
- التوازن الطاقي: يرى المشرعون أن التعدين يمكن أن يكون أداة فعالة لتحقيق توازن طاقي، حيث يمكن تحويل المواقع الصناعية القديمة إلى مراكز تعدين منخفضة الكربون، والاستفادة من الحرارة الناتجة في التدفئة أو الاستخدامات الصناعية، مما يضيف قيمة بيئية واقتصادية.
IV. خلاصة التوجه المستقبلي
يتجه مستقبل العملات الرقمية في فرنسا نحو أن يكون مستقبل الوضوح التنظيمي والاحتضان المؤسسي. وبينما تخرج بعض المنصات غير القادرة على الامتثال، تستعد المؤسسات المصرفية الكبرى والبنية التحتية للطاقة النووية الفرنسية للاستفادة من الفرص التي يوفرها هذا القطاع تحت المظلة الآمنة والموحدة للوائح MiCA الأوروبية.



